samo
  اغراض الشعر
 

أغراض الشعر  العربي

هي تلك الموضوعات التي يتناولهاالشعرالغنائي أو الوجداني كالوصف والمدح والهجاء والفخروالغزل وما إليها.

وحول هذه الأغراض، تدور أشعار العرب منذ القديم، حتى أنه من اليسير أن ننسبالتيارات الشعرية التي استجدّت في عصور مختلفة إلى واحد من تلك الأغراض، أو إلىأكثر من غرض، وسوف نتتبّع في إيجاز كل غرض عبر العصور المختلفة.

الوصف.ويراد به وصفالشاعر الطبيعة، أو مشهدًا من المشاهد الحية أو الجامدة، أو كائنًا من الكائنات،كوصف امرئ القيس لفرسه، أو مثل لوحات ذي الرُّمَّة الشهيرة فيالشعرالعربي، أو وصفالنابغة لليل وقد امتلأت نفسه بالرعب من النعمان ملك الحيرة. وفي العصر الجاهلي،زخرت المعلقات بالوصف، كما اشتهر شعراء بوصف الخيل خاصة، منهم طُفيل الغنويوالنابغة الجَعْدي، كما اشتهر الشَمّاخ بن ضِرار، وهو مخضرم، بوصف الحُمُر، والقوس،واشتهر أوس بن حجر بوصف أسلحة الحرب. والوصف فيالشعرالجاهلي يتَّسمبالبساطة، والحس الفني الذي يجمع بين الرقة والعفوية. والواقع أن الشاعر الجاهليوصَّاف مصور، فالصورة الفنية عنصر أساسي في شعره.

ولقد وصف الشاعر الجاهلي كل شيءٍ وقع عليهبصره، كالصحراء بكل تفاصيلها والسماء والنجوم والمطر والرياح والخيام والحيواناتوالطيور والحشرات، كما وصف أطلال محبوبته والرحلة إلى ممدوحه، بل إنه في سياق غزلهقد وصف المرأة وصفًا بارعًا عبَّر ـ في عمومه ـ عن قيم الجمال الأنثوي لديه. بل إنالوصف كان أداته في كل غرض شعري طرقه.

ولا يكاد الوصف ـ في العصرين الإسلامي والأموي ـ يصيبه شيء يُعتدُّ به منالتطور، اللهمّ إلا وصف الشاعر الأموي للبيئات الجديدة، بالإضافة إلى وصفه لحياةالبداوة على سنة أسلافه في الجاهلية. إذ صور الفرزدق، مثلاً، الثلوج وهو في بعضرحلاته إلى دمشق، كما أن وصف عمر بن أبي ربيعة للمرأة، في سياق غزله، كان وصفًاللمرأة في بيئة أصابها غير قليل من التحول عن البداوة إلى الحضارة، في الملابسوالعطور والعادات. وإذا كان ذو الرُّمَّة قد اختص بالوصف واشتهر بلوحاته، بما أوتيمن ملكة فذّة، فإن روح البداوة قد ظلت ـ غالبًا ـ تسيطر على عناصر الصورة الفنيةلديه.

وفي العصر العباسي، تحول الشاعر، في وصفه، عن البداوة والصحراء إلى وصف مظاهرالحضارة، كالرياض وبرك الماء، وموائد وصنوف الطعام والشراب المستحدثة، والملابسوالقصور. وانصرف الشاعر العباسي عنوصف الظباء والغزلانفي بيئاتهاالصحراوية، إلى وصفها في بيئات متحضرة، كالقصور والبساتين. ولا شك أنَّ ما أوتيهالشاعر العباسي من ثقافات، فضلاً عن اتساع آفاق الحياة، قد أمدّه بقدرة أكبر علىالتخيّل والتصوير.

ويمكن القول إجمالا: إن الوصف ـ بعد العصر العباسي إلى العصر الحديث ـ قد ارتبطبتطوّر مظاهر الحياة التي يقع عليها حسُّ الشاعر الوصاف، وتطور الثقافات والمعارف،ومن ثم كان الشاعر العربي يلاحق تطور الحياة، كما أن تيار المعارف والثقافات كانيمنح خياله مقدرة أكبر على الوصف، كما نرى في أوصاف أحمد شوقي للنيل وطبيعة مصر،وكذلك شعراء المدرسة الرومانسية كمحمود حسن إسماعيل وعلي محمود طه، الذين أوتوا منقوة الخيال والتصوير الشيء الكثير، واقتربوا، في أوصافهم، من عالم الرمز الذي أكسبأشعارهم غموضًا طفيفًا محبّبًا، كما رفدتهم ثقافاتهم المتنوعة بصورٍ جديدة.

المدح.عرف الشاعر الجاهلي المديح واتخذه وسيلة للتكسُّب،وكان للغساسنة في الشام والمناذرة في الحيرة دور كبير في حفز الشعراء على مديحأمرائهم. ومن أشهر المداحين من شعراء الجاهلية النابغة الذبياني الذي اشتهر بمدحالنعمان بن المنذر. وكما يقول أبو عمرو بن العلاء: ¸وكان النابغة يأكل ويشرب فيآنية الفضة والذهب من عطايا النعمان وأبيه وجدّه·.

وقد مدح الشاعر الجاهلي بفضائل ثابتة كالشجاعة والكرم والحلم ورجاحة العقل ورفعةالنسب، وكلها ترسم الصورة الخلقية المثلى للإنسان في رؤياه، كما كان يتخذ من المدحالمبالغ فيه ـ باستثناء زهير بن أبي سُلمى مثلا ـ حافزًا للممدوح على المزيد منالعطاء. وكان يقدّم لقصائده في المديح بوصف الرحلة ومشاق الطريق وما أصاب ناقته منالجهد ليضمن مزيدًا من بذل ممدوحه.

وفي عصر صدر الإسلام، ظهر تيار جديد في المديح، هومدح النبي ³. ومن أوضحنماذجه لامية كعب بن زهيربانت سعادالتي أنشدها عند عفو النبي الكريم عنه،وصارت إلى عصور متأخرة نموذجًا يُحتذى. كما زخرت قصائد حسّان بمديحه للنبي ³ أيضًا. وبذلك تحوّل المدح من التكسّب إلى التدين، واكتسب، فيما عبر به من الأوصاف، التجردوالصدق، بعيدًا عن التكسّب فضلاً عن رسم الصورة الإسلامية للفضائل والقيمالخلقية.

وفي العصر الأموي، امتزج المديح بالتيارات السياسية، بعضها يمالئ الأمويين،وبعضها الآخر يشايع فرقًا مختلفة، وكان مداحو الأمويين يتكسبون بمدائحهم، بينماتجرد شعراء الفرق المختلفة عن التكسب، بل اتخذوا من مدائحهم وسيلة للانتصار للمذهبومحاربة خصومه، كما نجد في مديح عبيداللهلله بن قيس الرقيات لمصعب بن الزُّبير الذييجسّد بشكل واضحٍ نظرية الزبيريين في الحكم.

وأما في العصر العباسي المتأخِّر فإن أجلى صور المدح، تتمثّل في مدائح المتنبيلسيف الدولة؛ إذ هي صادرة عن حب صادق، وإعجاب تام ببطولة سيف الدولة الذي يجسد حلمأبي الطيب بالبطل المخلِّص من اعتداءات الروم. ومن هنا جاءت مدائحه تلك أشبه بملاحمرائعة. وكذلك كان أبو تمام في مدائحه للمعتصم، وبائيته أشهر من أن نذكرها هنا.

وهنا نشير إلى حقيقة مهمة وهي أن المدح فيالشعرالعربي ـ وإن يكنللتكسب ـ لم يكن في كل الأحوال يعني التملق والبحث عن النفع، بل هو في كثير منالأحيان تجسيد للود الخالص والإعجاب العميق بين الشاعر والممدوح، وهذا مايتضح فيمدائح المتنبي لسيف الدولة، فهي تجسيد حي لهذا المعنى الذي أشرنا إليه. فقد كانالمتنبي شديد الإعجاب بسيف الدولة ويرى فيه البطل العربي الذي طالما تاقت إليهنفسه، بقدر ماكان سيف الدولة عميق التقدير لأبي الطيب، ويرى فيه الشاعر العربي الفذالذي طالما تطلعت إليه نفسه الذواقة للشعر، التواقة أبدًا للشاعر الذي يخلّدبطولاته.

ولقد مضى المدح في سائر العصور كما كان على نحو ما أوضحنا وإن تفاوتت فيه عناصرالقوة والضعف، كما سجل لنا مدح الشعراء لبني أيوب، والمماليك، وبخاصة، بطولات هؤلاءالرجال في مقاومتهم للصليبيين والتتار والمغول.

ولم يعد المدح في العصر الحديث على صورته القديمة، إذ رأينا الشاعر الحديث يرسملنا صورة بطل قديم ـ مثلا ـ ليضعه أمامنا نموذجًا للبطولة، ولم يعد الشاعر نديمًالذوي السلطان وأنيسًا في مجالسهم واقفًا شعره وولاءه عليهم، بل صارتالأنشودةالوطنيةالعاشقة للوطن بديلاً جديدًا للمدح التقليدي.

الهجاء. كان الهجاء في الجاهلية يقوم على التنديدبالرذائل التي منها: الجبن والبخل والسّفه الذي هو ضدّ الحلم، فضلاً عن وضاعةالنسب، وما عرفت به قبيلة المهجو من مثالب اشتهرت بها بين سائر القبائل، وهذه لاتخرج عن الرذائل التي تنفر منها النفس العربية عادة. ولعل من أشهر الهجَّائين فيالجاهلية الشاعر الحطيئة، وهو من المخضرمين، وكان غير مأمون العاقبة، يهجو جماعة منالناس، فيحتالون إليه بالأموال ليكف عنهم هجاءه، فيأخذ أموالهم ولا يكف عنهجائهم.

وفي صدر الإسلام، بدا واضحًا أن الإسلام قد أرسى من الفضائل مايجعل الهجاءإثمًا، ومع هذا، فقد ظل الحطيئة سادرًا في غوايته وهوايته فعاقبه عمر بن الخطاب،رضي الله عنه بالحبس.

كما أحدث الإسلام تحولاً مهمًا فيالهجاء، فاتجه شعراء النبي ³ إلى هجاءالمشركين وبخاصة أولئك الذين هجوا النبي وأصحابه، من شعراء المشركين، واضطر حسّانابن ثابت إلى أن يمطرهم بوابل من الهجاء المقذع معاملةً لهم بالمثل، وهكذا وظفالهجاء في خدمة الدعوة.

وفي العصر الأموي، تطور الهجاء إلى صيغة فنية جديدة لم تُعرف إلا في العصرالأموي، فظهر ماعُرفبالنقائض. انظر: الجزء الخاص بالنقائض في هذهالمقالة.

ويتطور الهجاء في العصر العباسي ليصبح صورًا كاريكاتيرية على يد ابن الروميخاصة، وعلى يد أبي الطيب المتنبي في هجاء كافور الإخشيدي. كما يظهر من خلال تيارالشعوبية نوعٌ من الهجاء للجنس العربي، اختلف بين الوضوح والخفاء، وبخاصة لدى أمثالبشار وأبي نواس.

كما شاعت معارك الهجاء بين أفراد من شعراء العصر العباسي، كتلك التي كانت بينحماد عجرد وبشار بن بُرد، وتناول الطرفان أبشع المثالب الحسية والمعنوية. وكما وضحتيار الشعوبية في أهاجي هذا العصر، فلقد وضحت الزندقة أيضًا في الهجاء، فكانت منالتهم التي يوصم المهجوّ بها في أشعار الهجاء، كما كان يفعل حماد عجرد في اتهامبشار بالزندقة.

ويظل تيار الهجاء ـ فيما بعد العصر العباسي ـ مستمرًا يشكّل بابًا من الفكاهةوالطرافة، إلى أن يدخل العصر الحديث فيتحول هذا الهجاء إلى أداة فعالة في النقدالسياسي والاجتماعي، كما في أشعار حافظ وشوقي في حملاتهما على الاستعمار، ونقد بعضأساليب الحكم، بالإضافة إلى نقد بعض الأمراض الاجتماعية، وبخاصة الفقر والجهل.

الرثاء.عرف الرثاء منذ العصر الجاهلي، وكان يتميز بماتميزت به سائر الأغراض من حيث الصدق وعفوية الأداء. وقد رثى شعراء الجاهلية قتلاهمفي الحروب، كما رثوا موتاهم في غير الحروب. وكانوا يرثون قتلاهم بذكر مناقبهموبالبكاء الحار عليهم حثًا للقبيلة على الثأر. كما أن المرأة أدّت دورًا كبيرًا فيرثاء قتلى الحروب، إذ تذكر المصادر، مثلاً، أن الخنساء في الجاهلية كانت تخرج إلىسوق عُكاظ فتندب أخويها صخرًا ومعاوية، وكانت تحاكيها هند بنت عتبة راثية أباها،ولم تكن الخنساء ولا مثيلاتها من البواكي يقنعن بيوم أو أيام في رثاء موتاهنَّ، بلكنّ يمكثن الأعوام باكيات راثيات، ولا شك أن النساء كنَّ يدعون بدعوى الجاهلية سواءفي أشعارهن أم في بكائهن وعويلهن. ومن روائع مراثي الخنساء ما قالته في أخيها صخر:

 

قذىً بعينــك أم بالعــين عُوَّار

 

أم ذرَّفت مُذْ خلت من أهلها الدارُ

كأن عيني لذكراه إذا خطرت

 

فيضٌ يسيل على الخدَّيــن مــدرار

ومثلما رثى شعراء العصر الجاهلي ذويهم، فقد رثى الشعراء أنفسهم قبل الموت،ورسموا صورًا بالغة التأثير لمآلهم بعد الموت، كقول أحدهم:

 

قد رجَّلوني وما رُجِّلتُ من شَعَث

 

وألبســوني ثيابًــا غـير أخــــلاق

وأرسلــوا فتيــةً من خيرهم حسبًا

 

ليسندوا في ضريح التُّرب أطباقي

ومثلما رسم الشاعر الجاهلي صورة للمثل والفضائل في قصائد المدح، فكذلك كانوا فيمراثيهم يعددون فضائل الميت، حتى عرَّف النقاد القدماء الرثاء بأنهذكر فضائلالميت ومدحه.

وفي صدر الإسلام، ظل الرثاء غرضًا شعريًا، إلا أن العقيدة الجديدة أدخلت عليهتطويرًا واضحًا. فلم يعد الراثي يذكر ما حظره الإسلام من المعاني التي تتعارض مع ماأمر الله به من الصبر والإيمان بقضاء الله تعالى. كما كانت مراثي شعراء الرسول ³تتضمن معاني الجهاد والإشادة بالبطولة والشهادة في سبيل الله. وتتضمن أحيانًا هجوًاللمشركين وقتلاهم.

وفي العصر الأموي ـ وبخاصة إبان أحداث الفتنة الكبرى وغيرها ـ تلقانا مراثٍ كثرٌفيمن قتل من رجال الشيعة أو من رجال الخوارج. وبجانب البكاء في هذه المراثي أو تلكوبجانب الإشادة بالأموات، كان الرثاء ممتزجًا بالأفكار السياسية للفرق، وكان شعرالرثاء فرصة للتعبير عن هذه الأفكار. فها هو ذا عبيداللهلله بن قيس الرقيات يرثيولدي أخيه عبداللهلله اللذين قتلا في موقعة الحرّة، فيقول:

 

إن الحوادث بالمدينــة قد

 

أوجَعْـنَنِي وقرعْـن مَرْوتِيَــهْ

إلى قوله يتوعد الأمويين:

 

والله أبرح في مقدمةٍ

 

أهدي الجيوش عليَّ شكَّتيه

حتى أفجّعهم بإخوتهم

 

وأسوق نسوتهـم بنسوتيّــه

كما شاعت مراثي الشعراء للحسين بن علي رضي الله عنهما.

وفي العصر العباسي، تظهر مراثي الشيعة في الإمام الحسين، وأشهر شعرائهم في ذلكالسيد الحميري ودِعْبِل الخُزاعي، ومن أصدق مراثي هذا العصر مراثي دعبل في زوجتهالتي قتلها في موجة شك عارمة انتابته على إثر وشاية كاذبة فلما ظهرت له براءتها مضىيرثيها أصدق رثاء.

وحين اشتدّت موجات الصّليبيين والمغول على المسلمين، كان من الطبيعي أن تشيعمراثي الشعراء في القادة خاصة، سواء من استشهد منهم أو من مات خارج المعركة. فمنذلك مراثيهم في عماد الدين زنكي الذي استشهد على يد غلام له أثناء حصاره لإحدىالقلاع، كما رثى الشعراء ابنه نور الدين حين مات، خارج المعارك، وفقد المسلمونبموته قائدًا عظيمًا.

كما بكى الشعراء صلاح الدين، وقد بلغت مرثية العماد الأصبهاني له مائتين وثلاثينبيتًا صور فيها حسن بلائه. كما شاعت مراثيهم في موتى الأيوبيين والمماليكوالعثمانيين، هذا إلى رثاء الأعلام من الوزراء والعلماء والقضاة.

وفي العصر الحديث، استمر الرثاء غرضًا شعريًا مستقلاً، وبخاصة رثاء الزعماءوقادة الحركات الوطنية والإصلاحية، وهنا تصبح المراثي فرصة لتجسيد المعاني الوطنية،والسياسية والدينية، كما اصطبغ الرثاء بأصباغ فكرية، واختلفت مناهجه على أنحاء شتىتبعًا لمذاهب الشعراء ومدارسهم الفنية.

الفخر. عَرَف العصر الجاهليُّ الفخر غرضًا من أغراضالشعر، وكان هذا الفخر نوعين: أحدهما فردي، حيث يشيد الشاعر بنفسه وفضائله، والآخركان فخرًا جماعيًا أشاد الشاعر فيه بقبيلته. وكانت الفضائل التي مدح بها الشاعر هينفسها التي افتخر بها من شجاعة وكرم ونسب رفيع، وقد جرت المفاخرة على الأحسابوالأنساب بين عامر ولبيد والأعشى وبين علقمة والحطيئة وفتيان من بني الأحوص.

وبمجيء الإسلام، ذهبت عصبية القبيلة، وحلت محلها عصبية العقيدة والإخاء في الله،ومضى حسان بن ثابت وغيره من شعراء النبي ³ يفخرون بإيمانهم، وبالقيم الإسلاميةالجديدة، وكما كان حسان يهجو قريشًا، فكذلك كان يفخر بالمسلمين، كما في همزيته التيجاء فيها:

 

وجبريـــلٌ أمـــين الله فينــا

 

وروح القدس ليس له كِفاءُ

وكما في داليته إذ يقول:

 

فينا الرسولُ وفينا الحقُّ نتْبعه

 

حتى الممات ونصرٌ غير محدود

وفي العصر الأموي، عاد الفخر القبلي إلى الظهور من جديد، وبخاصة في إطارالنقائض. انظر: الجزء الخاصبالنقائضفي هذه المقالة.

وكما برز الفخر، في العصر الأمويّ، في إطار النقائض خاصة، فلقد برز أيضًا فيإطار شعر الفرق السياسية، وتباينت خصائص هذا الفخر من فرقة إلى أخرى، فكثر فخرشعراء الخوارج بالقيم الدينية، كالتقوى والزهد والشجاعة. انظر: الجزء الخاصبالشعر السياسيفي هذه المقالة.

وفي العصر العباسي، ضعف الفخر القبلي، وظهر الفخر الشعوبي لدى أبي نواس خاصةالذي شاع لديه أيضًا نوع من الفخر القبلي بسادته من بني سعد العشيرة القحطانيين. على أن شعر الفخر في العصر الأيوبي قد تحول ـ مع حركة النضال ضدّ الصليبيين ـ إلىتيار عارم يفخر بالانتصارات معبّرًا عن مدى الإحساس العميق بالثقة، والتحديللأحداث، كما في شعر ابن سناء المُلْك:

 

سواي يخاف الدهر أو يرهب الردى

 

وغيري يهوى أن يكون مخلّدا

ولكنني لا أرهب الدهر إن سطا

 

ولا أحذر الموت الزؤام إذا عـدا.

ولقد اختفى في العصر الحديث هذا الفخر القبلي، ليصبح فخرًا بالفضائل الكبرى، كماظهر نوع جديد من ذلكالشعرالسياسي لدى أحمد شوقي خاصة، يفخر فيه بمصر وبتاريخهاكما في رائعتهكبرى الحوادث في وادي النيلولم تعد ذات الشاعر، في مفاخره،هي همه، بل كان القصد هو إلهاب المشاعر الوطنية والإسلامية. ويمكن أن نضع مسرح شوقيالتاريخي في هذا الإطار.

شعر الحماسة.وهو شعر الحرب الذي يصف المعارك ويشيدبالأبطال ويتوعد الأعداء. وهذا الغرض قد يبدو في رثاء أبطال الحروب، أو في مدحهم،أو في سياق فخر الشاعر ببطولاته في الحرب، وقد امتزج بوصف المعارك والإشادةبالبطولة. وقد أثمرت حروب القبائل في الجاهلية قصائد حماسية. وتعد معلقة عمرو بنكلثوم واحدة من عيون الحماسيات في أشعار الجاهليين، ومثلها معلقة عنترة التي امتزجفيها الفخر بالحماسة، وقصائد أخرى له.

وقد كانت قصائد الحماسة مادة لإلهاب مشاعر المحاربين، كما عدّها مؤرخو الأدبمصدرًا مهمًا لتاريخ العرب في حروبهم وأسلحتهم وأنسابهم وفضائلهم. كما كانت نماذجرفيعة لشعراء العصور الإسلامية المختلفة.

وكان من الطبيعي أن يظل هذا الغرض قائمًا في العصر الإسلامي، ففي صدر الإسلام،فاضت قرائح شعراء الرسول بحماسيات تصور غزواته وتعبر عن فخر الشاعر المسلم بشجاعته،وتشيد في سياق الرثاء بشجاعة الرسول وشجاعة من لقي ربه من شهداء المسلمين.

وفي العصر العباسي وما يليه من عصور، يظل الصراع مشتدا بين المسلمين وخصومعقيدتهم من الروم والصليبيين والمغول، وتثمر تلك الحروب فيضًا زاخرًا من شعرالحماسة. ويقف في مقدمة الحماسيين أبو تمام، ومن نماذجه الرفيعة بائيته الشهيرة:

 

السيف أصدق أنباءً من الكتب

 

في حَده الحدُّ بين الجِدِّ واللعب

كما صنَّف أبو تمام مجموعته المسماة بالحماسة. انظر: الحماسات. وجعل أشعار الحماسة أول أبوابهاوأغزرها مادة، مما يدل على اعتداد المسلمين بالجهاد واتخاذهم من شعر الحماسة مادةلإثراء القرائح الشعرية من جهة، وإلهاب مشاعر الجهاد من جهة أخرى. وقد مضى القول عنأبي الطيب المتنبي، وقصائده في مدح سيف الدولة، أرفع نماذج البطولة في ذاكرة أبيالطيب، تعد بحق أرفع ما فاضت به القرائح من الحماسيات الإسلامية، سواء في دقة وصفالمعارك والجيوش والأسلحة، لدى المسلمين والروم، أم في تصوير شجاعة سيف الدولةوجنوده.

ويمضي شعر الحماسة فيما بعد المتنبي ليسجل لنا حروب المسلمين ضد الصليبيينوالمغول والتتار. ومع ما أصابالشعرالعربي من ضعف خلال تلك الحقب، فإن الشاعر المسلم لميقصر، في حدود موهبته، في الإدلاء بدلوه في تسجيل حركة الجهاد الإسلامي.

وفي العصر الحديث، تفيض قرائح الشعراء ابتداءً من البارودي الذي رددت حماسياتهأصداءالشعرفي أزهىعصوره، خاصة في قصائد الفخر التي رددها في سرنديب. كما أثمرت قريحة أحمد شوقيالفذّة حماسيات أُخر كان يصف بها معارك العثمانيين. كما أن قصائد شوقي الوطنية تعدبحق شكلاً جديدًا متطورًا من شعر الحماسة.

الغزل.عُرف الغـزل منـذالعصر الجاهليّ، ويدلنا تراث هذا العصر من شعر الغزل على رقة مشاعرهم، كما يسجل لنامعاييرهم في جمال المرأة. ومن أشهر المتغزّلين في هذا العصر: عُروة بن حزامالعُذريّ الذي أحبَّ عَفْراء ابنة عمه، ومالك بن الصمصامة الذي أحبَّ جنوب بنت محصنالجعديّ، ومسافر بن أبي عمرو الذي أحب هندًا بنت عُتبة. على أن قصة عنترة وابنة عمهعبلة أشهر من أن تذكر. وكانوا في مقدمات قصائدهم يبكون ديار أحبتهم في حنين جارف،كما كانوا مشغوفين بذكر رواحل محبوباتهم حين يرحلن من مكان مجدب إلى آخر خصيب. وفيمعلقة امرئ القيس مقدمة غزلية باكية فيها ذكر الحبيب ومنزله، ويقال: إنه كان أول منبكى واستبكى. كما أن زهيرًا في معلقته قد بدأها بوصف طويل لارتحال محبوبته.

وقد مضى العصر الجاهلي، والقصيدة العربية، إلا النادر منها، لا تستقل بغرضالغزل، وإنما كان الغزل يرد في مقدمتها فحسب.

وفي العصر الإسلامي، وجدنا كعب بن زهير يستهل لاميته الشهيرة في مدح رسول الله ³بذكر سعاد والتغزل بها، حتى اشتهرت لاميته تلك بقصيدة:بانت سعاد. إلا أنالإسلام كان له تأثيره في الغزل بحكم تأثيره الأخلاقي في المجتمع، وبخاصة فيالعلاقة بين المرأة والرجل، ومن هنا اتسم الغزل في العصر الإسلامي بالطهر والعفة،وشاعت في ثناياه بعض الأفكار الإسلامية.

على أن الغزل، في العصر الأموي خاصةً، قد أصابه تطور ملحوظ فلم يعد مجرد مطلع فيقصيدة، بل استقلّت بالغزل قصائد تامة. وقد اشتهر بالغزل عمر بن أبي ربيعة ولم يتطرقإلى أغراضٍ سواه، حتى أوقف على الغزل ديوانه كاملاً. كما عَرف العصر الأموي تيارينللغزل هما الغزل اللاهي، أو ما سماه الدارسون بالغزل الصريح حينًا والحسّي حينًاآخر، وتيار الغزل العفيف، أو العذري.

الغزل العذري فن شعري تشيع فيه حرارة العاطفة التي تصور خلجات النفس وفرحةاللقاء وآلام الفراق، ويحفل بوصف جاذبية المحبوبة وسحرها ونظرتها وقوة أسرها، ولايتجاوز ذلك. ويقتصر فيه الشاعر على محبوبة واحدة ردحًا من حياته أو طوال حياته. وسُمِّي عُذْريًا لأن أول من اشتهر به من قبائل العرب هم بنو عُذْرة، ثم أصبح الغزلالعذري بعد ذلك فنًا ينطبق على كل من نهج نهجهم وذهب مذهبهم، وعبَّر عن أحاسيسهوعاطفته تعبير الشعراء العذريين.

عُرف الغزل العذري منذ الجاهلية، إلا أنه تميَّز تميُّزًا ظاهرًا في صدرالإسلام، وفي عهد بني أمية،حيث أصبح مدرسة شعرية قائمة بذاتها، حين انقسم شعر الغزلإلى اتجاهين: عذري وصريح. وقد انتشر الغزل العذري في بادية الحجاز حيث يقيم بنوعذرة، وفي عالية نجد حيث تقيم القبائل الحجازية النجدية. وقد كانت ظروف المعيشةوالواقع الإسلامي من أسباب انتشار الغزل العذري في بيئات البادية التي تحولت في هذاالعصر إلى حياة جديدة في قيمها ومُثُلها ومعارفها فحافظت على الطُّهر والنقاء.

كان شعراء الغزل العذري في وضع اجتماعي أقرب ما يكون إلى الكفاف والقناعة؛ إذْلم يحسنوا التكيف السريع مع مستجدات الأحداث، ولم يستطيعوا البقاء على حياةالجاهلية الأولى التي كانوا يعيشونها قبيل الإسلام. وعندما انتقلت قوة القبائلوشوكتها إلى الأمصار وانتقل جلّ شبابها مع الفاتحين، لم يبق في بادية الحجاز غيرأولئك الذين لم يستطيعوا ترك بلادهم وأهلهم. وقد تأثروا بالإسلام وطُبعت حياتهمالجديدة بشيء غير قليل من التغيُّر؛ فعبروا عنه بالزهد في الحياة وملذاتها، ووجدوافيالشعرتعويضًا عنمطامح الدنيا التي لم يستطيعوا مواجهتها، كما وجدوا قبولاً لدى الناس لهذا الفن،عوَّضهم عمَّا فقدوه في واقعهم الاجتماعي.

وأصبح للشعر العذري عناصر مشتركة حافظ عليها الشعراء ولم يتخلوا عنها، وهي وصفحدة الهجران والحرمان، ومعاناة الصبر، وتأجج نار الحب، واحترام العلاقة بينالعاشقين، والأخذ بالعفة والرضى بالعلاقة الطاهرة. وإذا كان الغزل العذري استجابةلظروف بيئية، واتبَّاعًا لعادات وأعراف اجتماعية ساعدت على نموه في نفوس الناس؛فإنه قد اتخذ العاطفة الصادقة سبيلاً لشرح العلاقة بالطرف الآخر، فقويت بواعثه فينفوس بعض الشعراء حتى أثمرت العلاقة الطاهرة التي تستجيب لفطرة الإنسانوتحترمها.

ولا يتخذ الغزل العذري مظهرًا واحدًا عند المحبين جميعًا، فهو هادئ عند بعضهم،ثائر عند آخرين، يلامس بعض النفوس فتقوى لديها عاطفة الحب حتى تستبد بالشاعر، فيصفلواعج الحب ولهيب الجوى الذي يكتوي به قلبه، وهو عنها راضٍ ليعيش في حب دائم لاينقطع، وإن انقطعت أسبابه من الطرف الآخر، حتى يصير شعره أنينًا وتضرُّعًا، ولكنهلا يجد راحة ولا ييأس من وصْل المعشوقة على كل حال.

وقد قويت مظاهر الغزل العذري فارتبطت بالتغيُّرات الاجتماعية التي طرأت على حياةالناس وارتبطت بواقعهم خلال فترة زمنية طويلة. كان الإسلام مشجِّعًا على العفة،ومنظِّمًا لعلاقة الرجال بالنساء. وقد منع الاستجابة العشوائية للشهوة إلا عن طريقمشروع، وسما بالعقيدة والعلاقة والأخلاق، فكان عاملاً من عوامل الحب العذري ودافعًاإليه.

وقد تحدَّدت العناصر الأساسية التي يعتمد عليها الغزل العذري في أمور أهمُّها :

المعاني بسيطة مباشرة لا يتعمق فيها الشاعر ولا يُدقِّق في دلالاتها، وليست موطناهتمامه وتعهده، ولا يحرص عليها أو يُجوِّدها. كلُ هَمه أن يعبِّر عن العاطفة التيتجيش بها نفسه. ولذا تتصف معاني العذريين بالفطرة والسذاجة والبعد عن التعقيداللفظي.

الصدق. تغلب روح الصدق على الشاعر العذري، فهو يقنع مستمعيه بحرارة عاطفتهوأمانة وصْفه لما يعبِّر عنه من شعور نحو محبوبته، فتظهر كلماته صافية لا يلوِّثهاالخداع الاجتماعي والنفاق والمداراة التي قد تكون عند غيره من الشعراء.

خصوصية الحب.لا يتحدث الشاعر العذري إلا عن محبوبة واحدة فلا يتجاوزها إلىغيرها، ولا يتحول حبه عنها، فهي داؤه ودواؤه، وهي حبه الوحيد ومطلبه الأبدي. وبسببذلك، ارتبط اسم كل شاعر بحبيبته، وصارا متلازمين، فنقول: عروة عفراء، وجميل بثينة،وقيس ليلى، وكثير عزة، وقيس (ابن ذريح) لبنى.

الأسلوب سهل مباشر يتَّجه فيه إلى الغرض الأصلي دون المرور بالمقدمات أو الأغراضالأخرى التي يهتم بها الشعراء غير الغزليين.

العفة. أظهر ما يميِّزالشعرالعذري عفة الأساليب، وطُهْر القول، وبساطة العرضوسهولة المعنى.

اليأس. يعيش الحب العذري على اليأس أكثر مما يعيش على الأمل، ويصف المرأة بأنهامُعرِضةٌ متمنِّعة قلَّما تستجيب له أو تسمع منه.

ومن أشهر شعراء هذا الفنعروة بن حزام وجميل بثينة وكُثَيِّر عزة وقيس (مجنون ليلى) وقيس بن ذريح. انظر: عروة بن حزام؛جميل بثينة؛كثير عزة.

وقد منح الغزل العذري القصيدة الأُموية ذاتية متميزة؛ حين جعل الغرض الشعريغرضًا مفردًا لا تتجاوزه القصيدة إلى سواه، فهي قصيدة غزلية من مفتتحها إلىنهايتها، على حين كان الغزل من قبل يأتي في مقدمات القصائد، ولا يستقل غرضًا قائمًابذاته.

الغزل الحسي هو الغزل المادي الذي يصف الملامح الجسدية للمرأة. وأساسه حب ممتزجبميول شهوانية وعواطف خالية من التحرُّج، وأوصاف مكشوفة، يدفع إليها الشوق إلىالاستمتاع بالمرأة. وهو تصوير لحب عابث، طبيعته الإعجاب المؤقت بالجمال حتى يقضيالشاعر منه وطرًا، فينقلب إلى البحث عن حب جديد. وقد اكتسب المصطلح اسمه وصار غرضًاشعريًا قائمًا بذاته في العصر الأموي لأسباب سياسية واجتماعية وفكرية وحضاريةواقتصادية خاصة بذلك العصر

 


 


 
  Aujourd'hui sont déjà 2 visiteurs (3 hits) Ici!  
 
Ce site web a été créé gratuitement avec Ma-page.fr. Tu veux aussi ton propre site web ?
S'inscrire gratuitement