الشعرالحديث
. ظل شكل القصيدة قبل عصر النهضة في الأدبالحديث ـ وهي فترة النصف الأول من القرن التاسع عشر الميلادي ـ يجري على نمطه الذيكان سائدًا خلال العصر العثماني. فظل، بالرغم من تفاهة أفكاره وابتذال معانيهوأساليبه المثقلة بالصّنعة والبديع، محافظًا على شكل القصيدة التقليدية سواء فيبحورها الخليلية أو قافيتها الموحدة أو بيتها المكون من صدر وعجز.
ومنذ نهاية القرن التاسع عشر، بدأالشعرالعربي الحديث يغيِّر نمطه وكانت أهم تجديداته متصلةبالموضوعات وإن ظل شكل القصيدة يتبع القالب التقليدي ولا يخرج عنه. وأصبح من أهمالأغراض الشعرية شعر الحماسة والكفاح ضد الاستعمار، والغناء للوطن، والدعوة للإصلاحالاجتماعي، والثورة ضد الفقر والجهل والمرض، والدعوة للحاق بركب الأمم.
ومع النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي أخذت النهضة الفنية فيالشعرالعربي الحديثتتبلور في اتجاهات فنية محددة بلغت ذروتها خلال القرن العشرين. وعلى يد روّاد هذهالاتجاهات، بدأ التجديد في القصيدة الحديثة يتجاوز المعاني والصور والأفكار إلىتجارب فنية تتصل بالشكل، فبدأت محاولاتالشعرالحر والشعر المرسل الذي لا يتقيد فيه الشاعر بالوزنوقد لا يتقيد بالقافية أيضًا.
ومن أهم هذه الاتجاهات والمدارس: مدرسة الإحياء، وجماعة الديوان، وجماعة أبولوومدرسة المهجر..
وعندما تصل مسيرةالشعرالحديث إلى الأربعينيات من هذا القرن يتحول نمط القصيدةالعمودية أو ما يسمَّى بالقصيدة التقليدية إلى نمط جديد هو الذي عُرف بالشعر الحُر. وقد تعددت أشكاله بينالشعرالمنثور والشعر المطلق وقصيدة النثر.
الشعرالحر.يعنيألا يتبع الشاعر القواعد التقليدية لكتابة الشعر، فلا يتقيد الشاعر ببحر واحد أوقافية واحدة أو إيقاع واحد. وبظهورالشعرالحُر، بدأ الشعراء يكتبون على نهج جديد باستخدامهمأعدادًا غير منتظمة من المقاطع في البيت الواحد وقافية غير موحدة وأوزانًا متداخلةونهايات غريبة الإيقاع في الأبيات. ولكن ليسالشعرالحُر حُرًا من كلقيد، فهو يستخدم فنونًا شعرية أساسيةً مثل تكرار الحرف الواحد وتكرار الكلمات.
ازدهر هذاالشعرفي الآداب الأوروبية خلال القرن التاسع عشر الميلادي، عندما تبنَّى الرومانسيون هذاالأسلوب. وقد كانت تجربة الشاعر الإنجليزي جون ميلتون في القرن السابع عشر الميلاديإرهاصًا مبكرًا لهذا اللون منالشعر. ولكن الشاعر الأمريكي والت ويتمان يُعَدُّ الأبالحقيقي للشعر الحُر في القرن التاسع عشر، وتُعد قصيدتهأغنية نفسي (1855م)،الشكل الأمثل لهذا الأسلوب. كما كان الشاعر الإنجليزي جيرارد مانلي من المجددينالذين سلكوا دروبالشعرالحُر في القرن التاسع عشر. وفي أوائل القرن العشرين،بدأت الحركة التصويرية تستخدمالشعرالحُر. فظهر شعراء كبار يكتبون على نهجه. وكان تي. إس. إليوت وعزرا باوند هما العمود الحقيقي لبلورة حركةالشعرالحُر.
وفيالشعرالغربيأضحىالشعرالحُر،في منتصف القرن العشرين، هو الشكل المألوف للشعر وخاصة في أعمال كبار الشعراء مثلروبرت نويل و دي. إتش. لورنس ووليم كارلوس وليمز.
وفيالشِّعرالعربي، كانت نازك الملائكة هي رائدة هذا الاتجاه، على خلاف في ذلك، في قصيدتهاالكوليرافي أواخر الأربعينيات، فقد استخدمت في هذه القصيدة بحرا واحدًا هوالخبب وإن وزعت تفعيلتهفَعْلُنْبأعداد متفاوتة في الشطر الواحد الذي حلمحل البيت ذي الصدر والعجز في القصيدة التقليدية. وإن كانالشعرالحُر في الآدابالأجنبية يعني تعدد الأوزان في القصيدة الواحدة، فهو في العربية يعني شعر التفعيلةالتي تحررت من التناسب، أي من التفعيلات المتساوية في كل بيت من أبيات القصيدة إلىتفاوتها من بيت لآخر في القصيدة الحرة فيالشعرالعربي. وهذا الفرق في الدلالة لمصطلحالشعرالحُر بين العربيةوالإنجليزية، مثلاً، هو الذي جعل بدر شاكر السّـيَّاب يستخدم مصطلحًا آخر هوالشعرالمنطلق وهو ترجمةلمصطلح شكسبير، إذ هو يقوم على انطلاق التفعيلة من التساوي في العدد إلى التفاوتفيه.
ولم يكن السّـيَّاب، أو غيره، رائد هذا المصطلح، فقد استخدمه علي أحمد باكثيرعام 1937م في ترجمته لمسرحية شكسبير: روميو وجولييت، ومسرحية أخرى بعنوان: أخناتونونفرتيتي. كتبها على بحر الخبب نفسه مراعيًا مبدأ التفاوت في الأبيات الشعرية لعددالتفعيلات لا مبدأ التساوي كما هو الحال فيالشعرالتقليدي.
وعلى كلٍّ، فإن ما قامت به نازك الملائكة أو باكثير أو السياب أو غيرهم لم يكناستعارة حرفية لنموذجالشعرالحُر في الآداب الأجنبية، ولكنه ممارسة لمبدأ التحررضمن السياق العضوي لبنيةالشعرالعربي وإيقاعاته العروضية.
ولمّا كانت الأوزان العربية كلها لا تقبل مبدأ تحرر التفعيلة، إذ إنها تتراوحبين مركَّبة ونصف مركبَّة وبسيطة، انتهت من ثم تجارب الشعراء إلى تحرير ثمانية بحورمن صيغها القديمة المتساوية إلى صيغ جديدة متفاوتة. هذه الصيغ تُدعى أحيانًاالشعرالحُروأخرى شعر التفعيلة ولكن مصطلحالشعرالمنطلقلم يكتب له الفوز بالبقاء مع أنه أكثردلالة على طبيعة التطور الذي دخل بنية العروض العربي.
وكما أن هناك بحرًا تامًا وبحرًا مجزوءًا وبحرًا منهوكًا، فيمكن القول إن هناكبحرًا منطلقًا أيضًا على القياس نفسه. وهكذا تولدت في حركةالشعرالحديث قيم عروضيةجديدة وبحور شعرية محدثة وهي التي تشكل عروضالشعرالحُر في شعرناالحديث، نجملها فيما يلي:
منطلق الخبب
|
-
|
فعلن / فاعلن
|
منطلق الرمل
|
-
|
فاعلاتن
|
منطلق الهزج
|
-
|
مفاعيلن
|
منطلق الكامل
|
-
|
متفاعلن
|
منطلق الوافر
|
-
|
مفاعيلن
|
منطلق الرجز
|
-
|
مستفعلن
|
منطلق المتقارب
|
-
|
فعولن
|
|
إلا أن القصيدة ليستأوزانًا وقوافي مجردة، بل هي تعبير عن معاناة إنسانية تتوفَّر فيها الفكرة والعبارةوالصورة والانفعال والإيقاع، فَرَنين الكلام وحده لا ينتج شعرًا.
من هنا، علينا أن نميز بين النظم والشعر والإيقاع أو الموسيقى والوزن، وكل هذاما هو إلا حاضن للإنسان ومعناه وجوهره وشفافيته. وهذا هو معيارالشعرالحقيقي.
الشعرالمرسل. هوالشعرالمتحرر منالقافية الواحدة والمحتفظ بالإيقاع أي محتفظ بوحدة التفعيلة في البحر الشعري دوناحتفاظه بالوزن. وقد يحافظ الشاعر فيالشعرالمرسل على القافية حين يتبع نظامًا أقرب ما يكون إلىنظامالشعرفياللغات الأوروبية بقوافيه المتعانقة أو المتقاطعة. وقد يلتزم الشاعر كذلك بالقافيةوالإيقاع معًا ولكن الوزن قد يختلف. مثال ذلك قصيدة الشاعر كيلاني سندأناوجارتيحيث التزم القافية ووحدة التفعيلة مع تنوع الوزن:
|
لا تقلقي
|
إنا بذرنا دربنا بالزنبق
|
ستبصرينه غدًا خميلة من عبق
|
أتعرفين جارتي بثوبهــا الممـزق
|
وكفَّها المشقق
|
كم قلت لي جارتنا ككومة من خرق
|
غدًا ترينها غدًا في ثوبها المنمق.
|
|
وكتابة هذا اللون منالشعرأشد عسرًا من كتابةالشعرالملتزم بالأوزانالتقليدية في بحورها المحددة. ذلك أن هذاالشعريقتضي معرفة دقيقة بأسرار اللغة، الصوتية، وقيمهاالجمالية مع دراية بالتناسب المطلوب بين الدلالات الصوتية والانفعالات المتراسلةمعها، وما يتبع ذلك من سرعة في الإيقاع أو بطء فيه، وما يصاحبه من تكرار وتوكيدوتنويع في النغم، وهو أمر لا يقدر عليه إلا شاعر مرهف الحس قد ملك أدواته اللغويةوالفنية.
ومن أطيب أمثلة هذا اللون منالشعرقصيدة نزار قبانيإلى مسافرةوهي تدل على أنالشاعر إن ملك ناصية أدواته الشعرية، كتب شعرًا مرسلاً مبدعًا:
|
صديقتي، صديقَتي الحبيبة
|
غريبة العينين في المدينة الغريبة
|
شهر مضى؛ لاحرف ... لا رسالة خضيبة
|
لا أثر
|
لا خبر
|
منك يضيء عزلتي الرهيبة
|
أخبارنا
|
لا شيء ياصديقتي الحبيبة
|
نحن هنا
|
أشقى من الوعود فوق الشفة الكذوبة
|
أيامنا
|
تافهة فارغة رتيبة
|
دارك ذات البذخ والستائر اللعوبة
|
هاجمها الشتاء ياصديقتي الحبيبة
|
بغيمه
|
بثلجه
|
بريحه الغضوبة
|
والورق اليابس غطى الشرفة الرهيبة
|
|
قَصيدةُ النَّثر.هناك تمايز عالمي وتاريخي بينالشعروالنثر في كلالآداب، وما يتميزّ به النثر من منطق وروية ووضوح وعبارة غير موزونة، يقابلهالشعربكثافة المعنى، أوماتدعوه البلاغة العربية بالإيجاز والشفافية والصورة والموسيقى والنزوع إلىالوجدان.
ومنذ الثورة على المذاهب التقليدية وقيمها المستقرة، اتجهت جهود المبدعين إلىهدم الحواجز بين الأجناس الأدبية أو ابتكار فنون جديدة أو تطعيم جنس بجنس أدبي آخروهكذا.
فقصيدة النثر هي جنس فني يستكشف مافي لغة النثر من قيم شعرية ويستغلها لخلق مناخيعبر عن تجربة ومعاناة من خلال صورة شعرية عريضة، تتوافر فيها الشفافية والكثافة فيآن واحد. وتعوّض انعدام الوزن التقليدي فيها بإيقاعات التوازن والاختلاف والتماثلوالتناظر معتمدة علي الجملة وتموجاتها الصوتية بموسيقى صياغية تُحسّ ولا تُقاس.
وقد تعددت المصطلحات التى تدلّ على هذا الجنس من ثقافة إلى أخرى. فقد استخدمأمين الريحاني مصطلحالشعرالمنثور، الذي لا وزن له وأدخله فيالشعرالحر، أي شعرالتفعيلة عندنا الذي يقاس ويُوزن.
لكن شعراء العربية في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، استخدموا مصطلحقصيدة النثر، وهو مصطلح فرنسي استخدمه بودلير وبعض معاصريه، وشاع شيوعًاكبيرًا في المرحلة الحديثة.وجريًا مع انفتاح الشعراء العرب على التجارب الإبداعيةالعالمية، فإن دخولالشعرالمنثور أو قصيدة النثر إلى شعرنا العربي الحديث وإنسوغته تطورات ضمنية، في حياتنا الأدبية، قام على مبادرات شعراء عرب استوحوا نماذجشعرية وتجارب إبداعية من الآداب الأخرى.
ويُعد شعر المهجر مهد ميلاد قصيدة النثر فيالشعرالعربي؛ فقد كتبشعراء المهجر: أمين الريحاني وميخائيل نعيمة وجبران خليل جبران محاولات شعريةمتأثرين فيها بالشاعر الأمريكي والت ويتمان، ثم انتقلت من هناك إلى المشرق.
لم تجد قصيدة النثر رواجًا كبيرًا فيالشعرالعربي الحديث؛ إذ إن الذائقة العربية ماتزال محكومةبوزنالشعرالعربيوإيقاعه في نماذجه الموروثة.
موسيقىالشعر
تعني موسيقىالشعرمراعاة التَّناسب في أبيات القصيدة بين الإيقاع والوزن،بحيث تتساوى الأبيات في عدد المتحركات والسواكن المتوالية، مساواة تحقق في القصيدةما عرفبوحدة النغم. وهذه الموسيقى اتخذت معايير متعدّدة. منها مايتَّصلبعروضالشعروميزانه، ومنها مايتصل بقافيته ورويّه، وهذا يحقّق إيقاعالشعروموسيقاه.
العَرُوض. أما العروضفهو علم يعرف به صحيح أوزانالشعروغير صحيحها. وأول من وضع هذا العلم الخليل بن أحمدالفراهيدي في القرن الثاني من الهجرة. ولم يتأثر الخليل فيه بأية أمة من الأممالأخرى. وكان الشعراء قبل الخليل ينظمونالشعردون ميزان. انظر: الخليل بن أحمد. وقد جعل الخليلالشعرفي خمسة عشر بحرًاهي: الطويل، والمديد، والبسيط، والكامل، والوافر، والخفيف، والرجز، والرمل، والهزج،والمضارع، والسريع، والمنسرح، والمقتضب، والمجتث، والمتقارب. وأضاف عليها الأخفشبحرًا آخر سماه المتدارك؛ إذ استدركه على أستاذه الخليل بن أحمد. انظر: الأخفش، سعيد.
وتنحصر أوزانالشعرالعربي في عشرة تفاعيل، ومنها تتركب جميع البحور الستةعشر، والتفاعيل هي: فعولن، مفاعيلن، مفاعلتن، فاع. لاتن، فاعلن، فاعلاتن، مستفعلن،متفاعلن، مفعولات، مستفع. لن. ورغم أن هذه التفاعيل عشرة في الحكم فإنها ثمانية فياللفظ. انظر: العروض.
القافية.جاء في لسان العرب لابن منظور أن القافية منالشعرهي التي تقفوالبيت، وسُميت قافية لأنها تقفو البيت. وفي الصحاح لأن بعضها يتبع إثر بعض. قالالخليل بن أحمد: القافية هي من آخر البيت إلى أول ساكن يليه مع المتحرك الذي قبلالساكن، كما في قول امرئ القيس:
|
كلمع اليدين في حَبِيٍّ مكـلَّل
|
|
فالقافية وفق قول الخليل هي (كَلْلَلي) لأن الياء هي آخر ساكن وأول ساكن هواللام ثم المتحرك الذي قبله هو الكاف.
وقال تلميذه الأخفش: القافية هي آخر كلمة في البيت. إذن، في قول امرئ القيس،القافية هي مكلّل، وفق قول الأخفش.
ومن العروضيين من يقول: إن البيت كله قافية. ومنهم من يقول كذلك: إن القصيدةكُلها قافية. لكن بعض المصنفين الذين يصنفون الأشعار يقولون عن معلقة امرئ القيسمثلاً:
|
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
|
|
بسقط اللوى بين الدَّخول فحومل
|
|
أن قافيتها لامية. والواقع أن حرف اللام فيها ليس قافية بل هو حرف الروي. وقدكانت القصيدة العربية تنسب لحرف الروي فيها.
أما القافية فهي، وفق قول الخليل بن أحمد، من آخر ساكن في البيت إلى أول ساكنيليه والمتحرك الذي قبله. فتصبح أنماط القوافي خمسة هي: المتكاوس والمتراكبوالمتدارك والمتواتر والمترادف.
1- المتكاوس: هو مافيه أربعة أحرف متحركة بين ساكنين مثل:
|
قد جَبَرَ الدينَ الإلهُ فَجَبَر
|
|
¸لاهُفَجَبَرْ· -/ ه ـ ـ ـ ـ ه
2- المتراكب: ما اجتمع فيه ثلاثة أحرف بين ساكنين، نحو قول الشاعر:
|
ضَنَّتْ بِشيءٍ ما كان يَرْزَؤُهَاْ
|
|
¸يَرْزَؤُهَاْ· - / ه ـ ـ ـ ه /.
3- المتدارك: ما اجتمع فيه حرفان بين ساكنين، نحو قول طرفة:
¸متوقْقِدي· - / ه ـ ـ ه /.
4- المتواتر: مافيه متحرك بين ساكنين، نحو قول الشاعر:
|
لقد زادني مسراك وجدًا على وَجْدِ
|
|
¸وَجْدِيْ· ـ ـ ه ـ ـ / ه ـ ه /.
5- المترادف: هو ما اجتمع في قافيته ساكنان نحو قوله:
اجتمع الألف الساكن والميم في المقام.
ويجيء في القافية ستةحروفوستحركات. فالحروف هي:الروي والوصل و الخروج و الردف والتأسيس و الدخيل.
الروي، هو الحرف الذي تُبنى عليه القصيدة وتُنسب إليه، فيُقال: قصيدة داليةوتائية ولابُد لكُل شعر من روي نحو قوله:
|
مابالُ عينِك منها الماءُ يَنْسَكِبُ
|
|
كأنّه من كُلَى مَفْرِيَّةٍ سَرِبُ
|
|
فالباء هي الروي.
الوصل يكون بأربعة أحرف هي: الألف والواو والياء والهاء سوا كن يتبعن حرف الروي. فالألف في قوله:
|
وقولي إن أصبــت لقد أصـابا
|
|
فالألف وصل والباء روي.
والواو كقوله:
|
متى كان الخيـام بذي طلـوح
|
|
سقيت الغيث أيتها الخيامو
|
|
فالواو وصل، والميم روي
والياء كقوله:
|
هيهات منزلنا بنعـف سويقـة
|
|
كانت مباركة من الأيَّامِي
|
|
فالياء وصل في الأيامي، والميم روي
والهاء الساكنة، كقول ذي الرُّمة:
|
وقفـتُ على ربع لميّــة ناقـتي
|
|
فما زلت أبكي حوله وأخاطبه
|
|
فالهاء في أخاطبه وصل، والباء روي.
الخروج يكون بثلاثة أحرف وهي: الألف والياء والواو السواكن يتبعن هاء الوصل.
فالألف نحو قول لبيد:
|
في ليلة كفر النّجوم غمامها
|
|
والياء نحو قول أبي النّجم:
|
تجرّد المجنـون من كســائِهي
|
|
والواو نحو قول رؤبة:
|
وبلــدٍ عاميـــةٍ أعمــــاؤهو
|
|
ونلاحظ أن الألف والياء والواو جاءت بعد هاء الوصل في الأبيات الثلاثة.
الرَّدف ألف أو واو أو ياء سواكن قبل حرف الروي معه.
فالألف في قوله:
|
وبلــد يغتــال خطـــو الخـــاطي
|
|
الطاء روي، والألف ردف قبله.
والواو في قوله:
|
طَحَابِك قلبٌ في الحسَانِ طرُوبُ
|
|
الباء روي، والواو ردف قبله.
والياء في قوله:
|
قد اغتــدى للحاجـــة العســــير
|
|
فالرَّاء روي، والياء ردف قبله.
التأسيس يكون بالألف قبل حرف الرويّ بحرف كما في قول ذي الرمة:
|
بجمهور حُزوى فابكيا في المنازل
|
|
فالألف قبل الزاي تأسيس.
والدّخيل هو الحرف الذي بين التأسيس والرّوي، نحو قول لبيد:
|
بلينا وما تبـلى النجــوم الطوالـــع
|
|
وتبقى الديارُ بعدنا والمصانع
|
|
فالنون دخيل وقع بين ألف التأسيس وبين الرّوي، حرف العين.
الحركات هي: المجرى والنفاذ والحذو والرّس والإشباع والتوجيه.
وأماعيوب القافيةفهي: الإقواء والإكفاء والإيطاء والسّنادالذيعلى خمسة أنواع هي: سناد التأسيس وسناد الحذو وسناد التوجيه وسناد الإشباع وسنادالرّدف، ثم عيبالتضمين والإجازة.
وقد رأى دارسوالشعرأن عدد القوافي ثلاثون قافيةً: منها للمتكاوس واحدة،وأربع للمتراكب، وست للمتدارك، وسبع للمتواتر، واثنتا عشرة قافية للمترادف.
الإيقاعهو الوزن الطبيعي المحسوس في أثناء الرقصوالموسيقى واللغة. ففي الرقص، تنبعث الأنماط والأنغام الموسيقية بحركات جَسديةفترات أقصر أو أطول، وبنبرات مُشدَّدة أ و مخفَّفة. وفي الموسيقى، فإن التعاييروالأشكال المقفاة التي تنبع من ترتيب الألحان، يتم تنظيمها حسب الوقت والشدَّات. أما في اللغة، فإن القافية هي رفع الأصوات وخفضها حسب المقاطع، والألحان الصوتية،والشدَّات اللفظية والسَكَنات. وتتمثل موسيقىالشعرالعربي في بحورهوقوافيه. ويُفَرَّق هنا بين أمرين أولهما الإيقاع العام: ويعني وحدة النغم التيتتكرر على نحو ما في الكلام أو في البيت حين تتوالى المتحركات والسَّواكن بشكل متسقفي مقطعين أو أكثر من مقاطع الكلام أو أبيات القصيدة.
هذا اللون من الإيقاع لا يخلو منه النثر ويسمَّى التصريع. أما الإيقاع فيالشعرفمداره التفعيلة فيالبحر العربي، والمقصود من التفعيلة مقابلة الحركات والسكنات فيها بنظائرها فيالكلمات في البيت دون أن نفرق بين الحرف الساكن اللين والحرف الساكن الجامد وحرفالمد.
خلاصة ذلك أن حركة كل تفعيلة هي وحدة الإيقاع في البيت. أما الوزن فهو مجموعالتفعيلات التي يتألَّف منها البيت الذي هو الوحدة الموسيقية للقصيدة العربية.
وفي موسيقى الشعر، على الشاعر أن يراعي المساواة بين أبيات القصيدة في الإيقاعوالوزن، بحيث تتساوى الأبيات في نصيبها من عدد المتحركات والسواكن المتوالية، وهذهالمساواة تحقق مانسميه:وحدة النغم.
عُنيالشعرالعربي منذ القدم بوحدة الإيقاع والوزن وحرص عليها حرصًا شديدًا فالتزمها في أبياتالقصيدة كلها، وزاد عليها التزامه قافية واحدة وحرف روي واحدًا، بل التزم بعضهمبأكثر من حرف، كأبي العلاء المعري في لزومياته. وهذا الالتزام مقياسه براعة الشاعرلأنه يزيد من وحدات الإيقاع الصوتية.
وهذه المساواة في وحدات الإيقاع والوزن ليست تامة كل التمام، إذ لو كانت كذلكلأصبحت النغمات رتيبة يملها السمع. إذن فالوزن والإيقاع لا يتفقان كل الاتفاق فيأبيات القصيدة الواحدة، فالتفعيلات المكونة للبحور الشعرية تظل واحدة في كل الأبياتولكن الشاعر حر في نقصها أو تسكين محركها على نحو ما قرره علم العروض في الزحافاتوالعلل. انظر: الجزء الخاصبالعروضفي هذه المقالة. وسبب آخر لعدم الاتفاقالتام هو اختلاف حروف الكلمات التي تقابل حروف التفعيلات بعضها ببعض، فهي تتراوحبين حروف ساكنة وحروف مد طويلة وحروف لين. وهذا الاختلاف الصوتي ينوِّع موسيقىالشعركما ينوِّعمعاني الإيحاء الموسيقي في الوزن الواحد. فموسيقى البيت تابعة للمعنى والمعنىيتغيّر من بيت لآخر حسب الفكر والشعور والصورة المعبر عنها.
ومن أهم العوامل التي تؤدّي إلى شيء من التفرع الموسيقي داخل الوحدة الموسيقيةللقصيدة العربية، الإنشاد أو الإلقاء؛ حيث يطول الصوت في بعض الكلمات ويقصر في أخرىويرتفع تارة وينخفض أخرى. وهذا يعني أننا نقيس في العروض مقاطع الصوت مقياسًاكميِّـًا على حين هنالك مقاييس كيفية لها تأثير فاعل على عدد حروف الكلماتوموسيقاها. فالكلمات وهي مفردة ينطق بمقاطعها على السواء، ولكنها في الجمل عامة وفيالشعرخاصة تقتضينطقًا يكسبها تنوعاً في موسيقاها حتى ولو كان ذلك في القراءة الصامتة؛ فموسيقىالشعرتظل خاصة منخصائصه همسًا أو إلقاءً. وتظل موسيقىالشعرشديدة الصلة بمعناه، فباختلاف المعنى، تتنوع موسيقىالإنشاد ويتنوع الصوت حسب موقع الكلمة، ويختلف إن كان الأمر استفهامًا أو تعجُّبًاأو إثباتًا أو نفيًا أو أمرًا أو نهيًا أو دعاءً وما إليها. فالوزن والإيقاع متحدانولا وجود لمقطع صوتي أو تفعيلة مستقلة، بل وجودها متصل بالبيت في معناه وموقعه منالأبيات الأخرى.
حاول بعض الدارسين أن يربط بين موضوع القصيدة والبحر الذي تكتب فيه لإيجاد صلةما، بين موقف الشاعر في التعبير عن معانيه وعواطفه وبين الإيقاع والوزن اللذيناختارهما لهذه الغاية، وهو أمر لا يثبت عند التمحيص، فالعرب قد نظموا على البحرالواحد مختلف الأغراض.
أما القافية فلها قيمة موسيقية عالية فيالشعرالعربي، فتكرارهايزيد في وحدة النغم وهي جزء أصيل في تكملة المعنى ولا يمكن الاستغناء عنها، وتكوننهاية طبيعية للبيت الشعري. وقد حاول بعض النقاد الربط بين حروف القوافي وموضوعالشعر، ولكن الأمر يشبه علاقة البحور بموضوعات القصائد، وما يزال للقافية سلطانهافيالشعرالعربيالحديث.
وقد بدأت الثورة على الوزن والقافية منذ القرن الثالث الهجري حين رأى بعضالشعراء في ذلك قيدًا، وتطلعوا إلى شيء من التجديد. ويمثل الموشح في الأندلس أقوىهذه الثّورات على نظام القصيدة في الأوزان والقوافي
مدارسالشعرالعربي الحديث
بدأت مع النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي بشائر نهضة فنية فيالشعرالعربي الحديث،وبدأت أول أمرها خافتة ضئيلة، ثم أخذ عودها يقوى ويشتد حتى اكتملت خلال القرنالعشرين متبلورة في اتجاهات شعرية حددت مذاهبالشعرالعربي الحديث،ورصدت اتجاهاته. وكان لما أطلق عليه النقادمدارسالشعرأثر كبير فيبلورة تلك الاتجاهات التي أسهمت في بعثالشعرالعربي من وهدته كما عملت على رفده بدماء جديدة،مستفيدة من التراث العالمي آخذةً ما يوافق القيم والتقاليد. وتعدمدرسة الإحياءوالديوان وأبولو والمهجر والرابطة القلمية والعصبة الأندلسية وجماعة مجلةالشعرأشهر هذهالمدارس، إذ إنها قدمت الجانب النظري وأتبعته بالجانب العملي التطبيقي؛ فكان نقادهايُنَظِّرُون وشعراؤها يكتبون محتذين تلك الرؤى النقدية. وسنورد هنا كلمة موجزة عنكل مدرسة من هذه المدارس.
مدرسةالإحياء.يمثِّل هذه المدرسة من جيل الرواد محمود سامي البارودي، ثم أحمدشوقي، ومن عاصره أو تلاه مثل: حافظ إبراهيم وأحمد محرم وعزيز أباظة ومحمود غنيموعلي الجندي وغيرهم.
وهذه المدرسة يتمثّل تجديدها للشعر العربي في أنها احتذتالشِّعرالعباسي، إذ تسريفي قصائد شعرائه أصداء أبي تمام والبحتري والمتنبي والشريف الرضيّ. فتجديدها إذننابع من محاكاة أرفع نماذجالشعروأرقى رموزه في عصور الازدهار الفني، وبخاصة العصرالعباسي.
لا ينبغي تجاهل عنصر الطاقة الذاتية الفذّة التي كانت لدى كل من رائدي هذهالمدرسة خاصة، وهما: البارودي وشوقي. لقد قرآ التراث الشعري قراءة تمثل، وتذوقا هذاالتراث، وأعانتهما الموهبة الفذّة على إنتاج شعر جديد لم يكن لقارىءالشعرالحديث عهد به منقبل، إذ قبيل اشتهار البارودي عرف الوسط الأدبي شعراء أمثال: علي الليثي، وصفوتالساعاتي، وعبد الله فكري، غلبت على أشعارهم الصنعة اللفظية، واجترار النماذجالفنية في عصور الضعف، والاقتصار على المناسبات الخاصة مثل تهنئة بمولود، أو مداعبةلصديق، هذا إلى مدائح هؤلاء الشعراء للخديوي وغيره، مع افتقار إبداعاتهم الشعريةللتجربة والصدق الفني. لقد ابتعدالشعرالعربي إذن، قبل البارودي، عن النماذج الأصيلة في عصورالازدهار، كما افتقد الموهبة الفنية.وبشكل عام، فإن فنالشعرقبل البارودي قدأصيب بالكساد والعقم.
ولقد برزت عوامل شتى أعادت للشعر العربي، على يد البارودي وشوقي، قوته وازدهاره،فإلى جانب عامل الموهبة، فإن مدرسة البعث والإحياء كانت وليدة حركة بعث شامل فيالأدب والدين والفكر؛ إذ أخرجت المطابع أمهات كتب الأدب ـ خاصة ـ مثل: الأغاني،ونهج البلاغة، ومقامات بديع الزمان الهمذاني، كما أخرجت دلائل الإعجاز وأسرارالبلاغة لعبد القاهر الجرجاني، وكان الشيخ محمد عبده قد حقق هذه الكتب وسواها، وجلسلتدريسها لطلاب الأزهر ودار العلوم، فضلاً عن الصحوة الشاملة في شتَّى مرافقالحياة، والاتصال بالثقافة الحديثة وصدور الصحف والمجلات، وانتشار التعليم.
ولقد عبر البارودي عن مأساة نفيه، في أشعاره، بأصدق تجربة وأروع لغة، وتركديوانًا عده الدارسون بكل المقاييس، البداية الحقيقية لنهضة الشعر، والصورة الجليةلرائد مدرسة الإحياء والبعث.
وإذا كان البارودي قد أعاد للشعر العربي ديباجته، فإن أحمد شوقي، في حدود نزعتهالتقليدية، قد مضى بما خلفه البارودي أشواطًا بعيدة بمسرحه الشعري وقصصه التعليميعلى لسان الحيوان، وقصائده الوطنية والعربية والإسلامية، وبتعبيره الشعري عن أحداثعصره وهمومه. كما كان لثقافته الفرنسية أثر واضح فيما أحدثه من نهضة شعرية تجاوزتالحدود التي وقف البارودي عندها، وكان شوقي قد قرأ كورني وراسين ولافونتين، بل قرأشكسبير، وتأثر به كثيرا في مسرحه الشعري.
ومع هذا، فإن أحمد شوقي لم يتجاوز النزعة الغنائية، حتى في مسرحه الشعري، وبداواضحًا أن شوقي قد جعل من المسرح سوق عكاظ عصرية، يتبادل فيها شخوص مسرحياته إلقاءالأشعار في نبرة غنائية واضحة.
تُعد هذه الجماعة طليعة الجيل الجديد الذي جاء بعد جيل شوقي وحافظ إبراهيم وخليلمطران. وكانت الجماعة التي تزعمتها قد تزودت بالمعارف والثقافة الغربية، وقد حرصتهذه الجماعة على أشياء ودعت إليها ، منها:1- الدعوة إلى التعبير عن الذات بتخليصالشعرمن صخب الحياةوضجيجها. 2- الدعوة إلى الوحدة العضوية فيالشعربحيث تكون القصيدة عملاً متكاملاً. 3- الدعوة إلى تنويعالقوافي والتحرر من قيود القافية الواحدة. 4- العناية بالمعنى والاتجاه التأمُّليوالفلسفي. 5- تصوير جواهر الأشياء والبعد عن مظاهرها. 6- تصوير الطبيعة وسبرأغوارها والتأمُّل فيما وراءها.
والديوان كتاب في النقد، شارك في إخراجه العقاد والمازني، وكان العزم على أنيخرج هذا الكتاب في عشرة أجزاء، غيرأنه لم يخرج منه سوى جزءين. وهو كتاب موجّه نحونقد القديم، حاول فيه العقاد تحطيم زعامة شوقي الشعرية؛ فهاجم أساليب شوقي، وعابشعره وشعر حافظ إبراهيم في السياسة والاجتماع، لكونعواطفهما سطحية تقف عند القشوردون اللُّباب، ولكونالشعرالصحيح هو الذي يتعمق وراء القشور ويعبّر عن سرائرالأمة وجوانبها النفسية، لأنها مكْمَنُ المشكلة. وقد هاجم العقاد، في الجزء الأولأيضًا، الصَّحافة ¸التي أقامت لشوقي وزنًا، وجعلت له في كل يوم زَفّة·.
أما الجزء الثاني فقد تصدّى فيه المازني للمنفلوطي وحاول أيضًا تحطيمه واسمًاأدبه بالضَّعف، ووصمه بكل قبيح، واتهمه بأنه يتجه في أدبه اتجاه التّخنُّث.
وتجاوب مع تيار العقاد والمازني، ميخائيل نعيمة رائد التجديد في الأدب المهجري،وأخرج، بعد عامين، كتابه النَّقدي الغربال (1923م). ومضى فيه على طريقة المازنيوالعقاد في الهجوم على القديم والدعوة إلى الانعتاق منه.
لم يكتب لهذه الجماعة الاستمرار، ولو كتب لها ذلك لكان من الممكن أن يكونتأثيرها عميقًا على الحركة الأدبية. ولكن دبّ الخلاف بين اثنين من مؤسسيها، المازنيوشكري، حين اتّهم المازني شكريًّا بأنه سرق عددًا من قصائدالشعرالإنجليزي وضمنهابعض دواوينه، وقد كشف المازني هذه القصائد وحدد مصادرها، فما كان من شكري إلاالتصدي للمازني في كتابه صنم الألاعيب. واحتدم الصّراع بينهما، فاعتزل شكري الأدبثم تلاه المازني، وبقي العقاد في الديوان وحده. ثم إن العقاد نفسه رجع عن كثير منأفكاره، خاصة تلك المتعلقة بعمود الشعر، وذكر أنه أمضى في التيار الجديد نحوًا منثلاثين سنة، ومع ذلك، فإن أذنه لم تألف موسيقىالشعرالجديد وإيقاعه.
جماعة أبولو.اسم لحركة شعرية انبثقت من الصراع الدائربين أنصار المدرسة التقليدية وحركة الديوان والنزعة الرومانسية، لتتبلور عام 1932مبريادة الشاعر أحمد زكي أبي شادي، انظر : أبو شادي، أحمد زكي، في حركة قائمة بذاتها متخذة من أبولو إله الفنون والعلوموالإلهام في الأساطير اليونانية اسمًا لها.
لم يكن لجماعة أبولو مذهب شعري بعينه، كما كان لحركة الديوان، التي انتمت للحركةالرومانسية ضد الاتجاه الكلاسيكي فيالشعر. ولم يكتبْ لها بيان شعري يحدد نظرتها إلى الإبداعوقضاياه المتفرقة، من أسلوب ومضمون وشكل وفكر... إلخ. بل اكتفى أبوشادي بتقديمدستور إداري للجماعة، يحدد الأهداف العامة لها من السمو بالشعر العربي، وتوجيه جهودالشعراء في هذا الاتجاه، والرقي بمستوى الشعراء فنيًا واجتماعيًا وماديًا، ودعمالنهضة الشعرية والسير بها قدما إلى الأمام.
انتخبت الجماعة أمير الشعراء أحمد شوقي أول رئيس لها. وبعد وفاته بعام واحد،تلاه خليل مطران، ثم أحمد زكي أبوشادي. واستمرت الحركة من (1932- 1936م). وكان لهامجلة دورية، مجلة أبولو التي توقفت (1934م)، تعد وثيقة أدبية وتاريخية وفكرية لهذهالجماعة التي نازعت حركة الديوان سيطرتها، وحّلت محّلها، فأنتجت جيلاً شعريًا ينتميإلى الاتجاه الرومانسي بحق، من أمثال: إبراهيم ناجي، وعلي محمود طه، ومحمود حسنإسماعيل، ومحمد عبدالمعطي الهمشري وغيرهم.
وكان أثر مطران على الجماعة بارزًا، باعتراف محمد مندور وقولة إبراهيم ناجيالمشهورة: (كلنا أصابتنا الحمى المطرانية). ويقصد بها نزعته التجديدية فيالشعروطابعه الذاتيالرومانسي.
ورغم أن هذه الحركة الشعرية لم تُعَمَّر طويلاً، إلا أنها تركت أصداءها فيالعالم العربي، وراسلها العديد من الشعراء والنقاد، أمثال: أبي القاسم الشابي، وآلالمعلوف، ومن بينهم عيسى إسكندر وشفيق ابنه صاحب عبقر. كما نرى هذه الأصداء في بعضنتاج شعراء الحجاز أمثال: محمد حسن عواد وحسين سرحان. كما تجاوب معها ميخائيل نعيمةرائد حركة التجديد في المهجر، وقد نص على تجاوبه معها في مقدمة ديوانه الغربال.
اتسمت حركة جماعة أبولو، بأنها عمّقت الاتجاه الوجداني للشعر، وانفتحت علىالتراث الشعري الغربي بوساطة الترجمة منالشعرالأوروبي، ودعت إلى تعميق المضامين الشعرية واستلهامالتراث بشكل مبدع، واستخدام الأسطورة والأساليب المتطورة للقصيدة، ولفتت الأنظارإلى تجريب أشكال جديدة للشعر المرسل والحر. كما التفتت إلى الإبداع في الأجناسالشعرية غير الغنائية لاسيما عند أبي شادي، ومهدت الطريق لظهور مجلة وحركة أخرى هيحركة مجلةالشعرفيبيروت (1957م).
بالإضافة إلى ماتركه لنا شعراء هذه الجماعة من دواوين ومجموعات شعرية، تبدو فيهاالنزعة الرومانسية هي الأقوى مضموناً وشكلاً وانفعالاً، فإن مجلة أبولو التي كانتتنشر على الملأ قصائدهم وأفكارهم، كانت المنبر الذي التفّ حوله الشعراء من العواصمالعربية والمنارة التي نشرت إشعاعاتهم. انظر: الشعر (مدارسالشعر).
ومجلة أبولو تعد وثيقة فنية تاريخية فكرية لهذه الحركة، التي لم تعمّر طويلاً،لكنها شعريًا كانت أكثر تأثيرًا من حركة الديوان التي عاقتها عن النمو الشعري هيمنةالعقاد مُنظِّرًا وقائدًا، وارتبطت إنجازاتها بالنقد أكثر مما ارتبطت بالشعر،وغرَّبت عنها عبدالرحمن شكري الذي ينسجم شعره مع شعر الجيل الثاني لحركة أبولو.
وبرز دور الشاعر بوصفه فنانًا في حركة أبولو، كما برزت أهمية التجربة النفسيةوالوجدانية في عملية الإبداع الشعري لا محاكاة نماذج القدماء. وتحوّلت قضاياالشعرمن قضايا المجتمعإلى قضايا الذات، واستكشف بعض شعراء الجماعة لغة شعرية جديدة متماسكة أكثر صفاءًونقاءً من شعر التقليديين وأغراضهم الشعرية الموروثة.
مدرسة المهجر.بدأ آلاف المهاجرين العرب من الشام (سورياولبنان وفلسطين) مع بداية النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي رحلتهمالطويلة إلى بلاد المهجر (أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية)؛ لأسباب اقتصاديةوسياسية في المقام الأول. فقد كانت بلاد الشام ولاية عثمانية تتعرض لما تتعرض لهالولايات العربية الأخرى تحت الحكم التركي من تعسّف الحكّام وسوء الإدارة. وأما منكانوا يعارضون سياسة التتريك العثمانية، ويجاهدون للإبقاء على الهوية العربية،فنصيبهم الاضطهاد والمعتقلات